كلّ الطّرق قد تؤدّي إليها إن توضّحت الرؤيا وتوسعت العبارة
د. محمد سعد برغل
تيتيس تجتهد وتجاهد منذ سنوات حتى يبلغ صوت الثقافة الاستثنائي المكتوب إلى القارئ؛ واختارت نهجا يراوح بين الألسن تكريسا للتعدّد وبين الأجناس الأدبيّة سعيا إلى التّنوّع وإلى سفر النّصوص من تربة إنشائها إلى مدارات تلقّيها بحثا عن القارئ الجمع، قارئ يجد في العدد ؛ كلّ عدد ما يروي نهمه المعرفيّ إلى تطارح الفكرة وبناء الحجج من أجل ثقافة متوسطيّة ثرية ومتنوّعة قادرة على توحيد الضّفتين لغةً واهتماما إبداعيّا.
هل بالإمكان أن تنحاز هيأة التّحرير إلى النّقد والفلسفة على حساب الإبداع، باعتبار الهاجس الأكاديمي عند أعضائها؟ أم عليها تغليب الإبداع باعتبارها مجلّة جامعة تطمح إلى التفاف جمهور المثقفين حول موادّها؟ سؤال مركزيّ آن الأوان لطرحه في افتتاحية هذا العدد حتى نُثبّت نهجا ارتأته هيأة التحرير منذ الأعداد الأولى، فقد حرصت طيلة السنوات على تجميع النّصوص وانتقاء أجودها وسعت إلى اقتراح ملفات الأعداد، وربما بلغنا اليوم مرحلة نضج تسمح للهيأة بإطلاق مبادرة الشّراكة بين المؤسسات الجامعيّة الحاضنة للندوات وهذا الفضاء، وهي مبادرة تدعو فيها منظمي الندوات والأيام الدراسيّة والحلقات البحثيّة إلى تمكين المجلة من الموادّ للنّشر تسهم في إخراج المقالات من رفوف المخابر إلى القارئ المختصّ، إذ كثيرة هي الندوات القابلة للنّشر لكنّها بقيت وتبقى بالحواسيب ولا تستفيد منها المجموعة الوطنيّة بسبب تقلّص فضاءات النّشر المحكمّة أو تلك التي تتوفّر فيها لجنة قراءة علميّة، بسبب غياب الميزانية المرصودة للنّشر في ميزانيات المؤسسات الجامعيّة أو المندوبيات الجهوية للشّؤون الّثقافية، فكثيرا مانلتقي ونحاضر ونتناقش ونعود إلى البيوت ونسلّم المحاضرات إلى الرّفوف لتنام بأمان.
تطرح تيتيس على الفاعلين الثقافيين فكرة تدارس معوقات النّشر بتونس وما تفتحه المجلات القريبة من تيتيس، تصورا وآليّة نشر، من فرص للباحثين للنشر بعد إخضاع المقالات للتحكيم العلمي وما توفّره هذه الشراكة من فرصة لتسويق المجلات وتوفير موارد ذاتيّة تسمح لها بالاستمرار رغم الشدّة المالية وصعوبات التوزيع وتعقّد مسالكه حتى لا تبقى المجلات أسيرة الدعم الوزاري رغم أهميّته وتثمين ما تقوم به الهياكل المختصّة لوزارة الشؤون الثقافية.
تقترح المجلّة في ثنايا هذا العدد سفرا بين شعرية النصوص لأعلام من شعراء تونس ومن الوطن الغربي مشرقا ومغربا وإسهامات سردية ونقديّة تروم بهذا التنوّع دفعنا نحن القرّاء إلى التساؤل قبل أن يفوت الأوان عن مدى مركزيّة المكتوب في نسق قراءة بدأ يغلّب الرقميّ التصفّح السريع عبر الوسائط الاجتماعيّة عن متعة الإبداع لا بما هو متعة نصّ بل بما هو متعة منشور ، كأنّنا ” انجرفنا” بفعل المدّ الرّقمي إلى تغليب الوسائط للتقنيّة على توريق المجلات، ولعلّ مثل هذا المنحى سيطرح على أهل تيتيس في مستقبل عدد من الأعداد التّصدّي لملف الرقميّ في الكتابات المتوسطيّة سواء أكان هذا الرّقميّ ضديدا للمكتوب الورقيّ أو تدعيما له وتكاملا ولنا في ما انتهت إليه الجرائد الورقيّة من حجب حتى لا أقول من موت خير إنذار لذوي الألباب.
بانتظار فتح ملف إشكاليات النّشر ومعوقاته وإشكالية الرّقمي والإبداعي إلى القرّاء بارونما إبداعيّة لأقلام أتوا بما لم يأت به الأوائل.
كلّ الطّرق قد تؤدّي إليها إن توضّحت الرؤيا وتوسعت العبارة.